الوسائط المتعددة فى فنون ما بعد الحداثة
وتغير المفاهيم الجمالية
مقدمة :
منذ النصف الثاني من القرن العشرين جاءت التغيرات سريعة ومتلاحقة لحركات واتجاهات الفن غيرت من الحدود والمعانى لمفهوم الفن ، بل المسمى ذاته من فنون جميلة إلي فنون تشكيلية ثم إلى فنون مرئية . ليأخذ المنطق البصري تفاعلات متعددة الجوانب ، بات من الصعب إجراء تحليل تصنيفي وفق مجالات الفن من ( عمارة – نحت – تصوير – رسم - …… مسرح – سينما – فيديو ) فما تضمنته الممارسة الفنية ( الفن المفاهيمى – أو فن المينمال – أو فن الأرض – أو الفن البيئي – أو فن الحدث أو فن الأداء – أو فن التجهيز ) تموج بالعديد من التداخلات بين الحدود والمعانى والتعريفات الثابتة لمفهوم الفن والجمال . وعكست التطور فى تكنولوجيا استخدام الوسائط المتعددة التى تضمنتها معظم الأعمال الفنية بواقع لغوى وسمعى وبصرى و ايضا حركى .
مشكلة البحث
تعد الوسائط المتعددة إحدى الصيغ التشكيلية الاساسية فى ممارسة الابداع للفنون المرئية فى فنون ما بعد الحداثة . مما يطرح التساؤل الأتي ما هي المفاهيم الفنية والجمالية للأعمال التى تتضمن استخدامات وسائط متعددة ؟
فروض البحث
يفترض البحث الاتى :
إمكانية الكشف عن تنوع المفاهيم الفنية والجمالية للوسائط المتعددة فى ممارسة الابداع للفنون المرئية فى فنون الحداثة كمداخل جمالية لنقد الفنون وتذوقها .
أهمية البحث :
ترجع اهمية البحث الى.
1- الكشف عن مفهوم الوسائط المتعددة .
2- دراسة تتبع تاريخى لتطور استخدام الوسائط المتعددة فى فنونما بعد الحداثة .
3- الكشف عن القيم التى تتضمنها فنون ما بعد الحداثة .
مفهوم الوسائط المتعددة
الوسائط المتعددة) Multimedia ( يتكون من جزئين Multi والمقصود بها التعدد و التنوع , و media صيغة الجمع لكلمة “medium” والتى تعنى الوسيط او الغاية , وغالبا ماتستخدم فى الاشارة الى وسائل الاعلام والاتصال المختلفة من اذاعة وتلفزيون وصحافة وسينما وكمبييوتر .
والمقصود بها فى البحث الحالى تعدد المواد والخامات أو الأدوات أو الوسائل والتقنيات المستخدمة فىالابداع الفنى, وايضا تداخل اكثر من مجال فنى كالفنون التشكيلية والشعروالأدب والموسيقى والسرح والسينما وفيديو وتلفزيون وكمبيوتر , من مجالات الفن المختلفة ، وما يشكله الجانب التكنولوجى من محور هام فى الصياغات الفنية و يمثل صفة غالبة على معظم مناهج اتجاهات فنون ما بعد الحداثة .
تعداستخدامات الوسائط المتعددة تاريخيا و جماليا امتداد لتغير مفاهيم الفن وتقنياته المختلفة فى تنوعها, بدء من توظيف كلاج التكعيبية والشيىء الجاهز فى الدادا وفى اطار المواد والخامات المصنعة والطبيعية التى شملت الاشياء الحياتية المستخدمة فى الحياة اليومية كالاشياء الجاهزة المصنعة, والمواد سريعة الزوال كالمواد العضوية المستمدة من الطبيعة مباشرة كالماء والتراب والدخان و غيرها من المواد القابلة للتحول فى صورتها الفيزيقية, كما فى فن البوب و فن الارض, والبيئة.
لقد استثمر الفنانين كل معطيات التكنولوجيا عبرمراحل تاريخ الفن المختلفة,وذلك نظرا لطبيعة الفن وارتباطه بالثقافة المعاصرة, وقد اتضح ذللك بصورة جلية وواضحه فى فنون مابعد الحداثة لما واكبته من تتطور تكنولوجى فى الوسائط المتعدده , وجاءت الاسهامات فى مستويات متعددة ومختلفة تبدء من التوثيق للفنون سريعة الزوال والمعتمده على الحدث الذى لايقبل التكرار والاداء الحركى داخل سياق الزمن , وانتهاء باستخدامتها كأداة ووسيط فى فنون الفيديو و الكمبيوتر.
و لذلك فالوسائط المتعددة أمدت الفنون البصرية ببناء لغوى وتشكيلى متجاوز الحدود المادية لعنصرى المكان والزمان فى واقع تصورى محاكى وتخيلى فى ان واحد .
المفهوم الحداثى لتناول الشيىء الجاهز
فى بداية الحداثة منذ أن وضع سيزان "الشيء" موضع التقدير وتعامل مع طبيعته الصامتة بالإنشاء الحجومى, تبنت التكعيبية منطلقات التحليل وتعدد الزوايا وقطعت الصلة مع الفنون المؤسسة على المحاكاة للطبيعة, أصبح "الشيء" موضع تساؤل كما فرضت الثورة الصناعية إيقاعا سريعا عن ذى قبل فبينما كان " سيزان" يقول (يجب أن تكون سريعا إذا كنت ترغب فى رؤية شئ ما. فأن كل شئ سوف يختفي. ) 1(23-577) ومن بعده "ألبرتى بتشيونى"فى تفسيره لمفاهيم المستقبلية ( كل شيء متحرك, كل شيىء يعدو , كل شيىء ينمو بسرعة . الصورة ليست ساكنة امامنا ابدا , فهى تظهر ثم تختفى باستمرار ....هكذا حصان السبق ليس له أربعة أرجل , بل له عشرون )(22-35)
اليوم رؤية الأشياء فىحركتها قد تحققت بصورة أكثر سرعة مماسبق . و خلال الجزء الأخير من القرن الماضي قد أصبح من الواضح ان الوسائط التقنية (الميدياMedid-)، التي تطورت في أعقاب الثورة الصناعية، لها تأثيرات جذرية على الطرق التقليدية المتبعة فى الإنتاج الفني. وايضا تفاعل الفنانين مع المتغيرات السريعة والغير المألوفة لهذا القرن، بما فى ذلك حروبه ونزاعاته وتغييراته العلمية والتكنولوجية الكبيرة. ومن ثم فقد تقبلوا بعض المفاهيم التى تتعلق بالأبنية الجمالية المقلوبة رأسا على عقب ,وقد تبنى الفنانين الوسائط التقنية الجديدة مثل التصوير الفوتوغرافي والأفلام والفيديو والكمبيوتر، باعتبارها من الأدوات الإبداعية وأيضا باعتبارها من أساليب الاتصالات. ويسعى الفنانين اليوم لشق طريق فى أنظمة المعلومات الإلكترونية بهدف استكشاف المجال الرقمى الواعد. وفى الواقع انه من خلال عمل الفنانين فى إطار المحددات والإمكانات الكامنة فى الوسائط الجديدة، فأن ذلك يعنى أنهم يسعون الى التوصل الى إجابات عن كل من الجوانب الإبداعية والنقدية.
لقد تعمدت حركة الدادا العداء للفن والمشاعر والسياسة وتأكيدهم بأسلوب تهكمى عن افلاس الثقافة التقليدية وتبنت النظرة " العدمية Nihilism " التى تنظر بالعداء الى القيم والمعتقدات التقليدية , وأن الوجود لامعنى له , لذلك قامو باظهار طبيعة الاشياء المخالفة للمنطق وانتقاد كل الاشكال التقليدية فى الحياة من فلسفة وفن وثقافة ,فأعتمدوا فى ابداعاتهم الفنية على منطق الصدفة البحتة ,بعيداعن المنطق الجمالى التقليدى المعروف, فجائت أعمالهم محملة بالاثارة , تدعو للذعر والاشمئزاز, واحداث الصدمات. وتحول معها أساليب العرض لأنشطتهم الفنية من الاستوديوهات الى دور النشر, من خلال استخدامهم للنصوص ذات الطابع المثير ورسوم الكاريكاتير المتصفة بالمفارقات الساخرة والشعارات العدوانية.
وأستعمل فنانى الدادا ماعرف بالشيىء الجاهز على يد رائدها "مارسيل دوشامب Du champ " الذى أستخدمه كوسيط تشكيلى للتعبير عن أفكاره ورغبته فى التحرر من مختلف القيم السائده عاكسا من خلاله موقفه من الواقع الاجتماعى لعصر الصناعه , وكان التوسع فى أستخدام الخامات ابتداع طرق أداء أسلوبية عرفت باسم "Assemblage التجميع "تعتمد على استخدام الاشياء الجاهزة و العناصر المسرحية المستندة الى الفعل واللغة, فلقد قدم الفنان" كيرت شويترز Kurt Schwitters "فى عمله المسمى "ميرز Merz "1921م مختلف انماط الفنون من شعر ونثر وأشياء جاهزة الصنع وغيرها, كشكل فنى متكامل يشمل جميع الأشكال الفنية فى كيان فني واحد, بهدف التقليل من الحدود الفاصلة فى مجال الفن.
مفهوم مابعد الحداثة وكسر الحدود بين القوالب الفنية
أما مابعد الحداثة والتى واجه فيها الفنانين فشل الحداثة لتحقيقها التقدم الاجتماعي , بعد الحرب العالمية الثانية , وفقدان الاتصال الإنساني بالطبيعة التي أصبحت تفيض بالبيئات الصناعية, وانتقد هؤلاء الفنانين كذلك المنظور الحداثى والنظرة المتسامية, بالمعايشة الحياتية والتجارية, فاستعانوا بالأشياء الجاهزة من الحياة اليومية كمادة ووسيلة غير تقليدية في التعبير ,وطردوا العبارات الرنانة, ورفضو فكرة فردانية العمل التى تكسبه الندرة كغاية وقيمة فى ذات الوقت. وفي أثناء الخمسينات ظهر اثنان من شباب الفنانين" روشنبرج Rauschenberg"و " جاسبر جونس Jasper Johns "يمـيلون إلى نزعة "دو شامب "وبدءوا يعيدون النظر في العـلاقة المضطربة بين الفن العالي والمنخفض أو الشعـبي وكانـت أعمـالهم تعد جسرا بين النظرة المتسامية المتعالية للتعبيرية التجريدية والتهـكم والسخرية النقدية والطـرق الأدائيـة لأسلوبـهم أطلق عليه " فن العامـة Pop Art." وقد اتبعو فى ذلك وسائل متعدده من اساليب الكلاج(القص و اللصق)و التجميع , فكان أستخدمهم الصور الفوتغرافية كتصور خيالى مثير وحافز وباعتبارها ايضا وثيقة مصورة للاشياء الحقيقية , و مرورا بعمليات مختلفة من التجريب و التكرار أو اعادة الترتيب التراكبى أو الاختزالى لمفرداتها كما فى عمليات" المونتاج" والتلوين على التوال بأستخدام تقنيات عديدة كالطباعة "بالسلك سكرين" أو الرش و طباعة الاستنسل وغيرها ,والتى قد تصل معها فى النهاية الصورة الى اشارات لأشياء مبهمة وكوسيط تصميمى خالص , ربما تفقد معه هذه الصور أجزاء كبيرة من موضعياتها وخصائصها الوصفية وايضا مرجعياتها.
وجاءت تطبيقاتهم لأفكار التكعيبية للتحريفات أو التشويه للفكرة العالية للفن والتى أصبحت مصدرا رئيسيا للإلهام في فن " فن العامة" او كما وصفت بأنها تمثل" الدادائية الجديد New-Dadaism " لما تضمنته ممارسات فنية أستخدم فيها الفنانين كافة الأشياء التى تحيط بهم (فظَهرْ ارتفاع فنِ الشّيئِ Object في بداية الستينات بنيويورك كحركة جديدة وجذرية. كل من روشينبيرج ، كينهولز Kienholz, وفنانوا البوب قَدْ شكلوا عالمِ الفن من خلال الشارع ، من الزبالة و مخازن السلع البالية)(7) وأصبح واضحا ان هدف معظم الاتجاهات المختلفة هو انهيار الحدود بين القوالب الفنية وطريقة ” إنتاج لا شئ على الإطلاق” , التي نادى بها" الداديين" من قبل (فمنذ طرحة الدادا أصبحت جوانب الخبرة والفطرية على قدر كبير من القيمة داخل الإحساس لقد قطعت الدادا الاتصال مع أي شئ وعملت على توسيع نطاق الاتصال مع كل شئ.)(17-68) لقد كان العديد من الفنانون يبحثون استراتيجيات بديلة لانتاج فن يساهم فى انهيار الحدود التقليدية بين الفن والحياة,وكان الاستخدام للاشياءالحياتية محل اهتمام وتقدير فنانى البوب ،بمنطق مخالف لفنانى" الدادا"وهذا ما يشير اليه "دوشامب "( لقد بدأت "بالمبولة" وقدمتها كتحدى, والآن ينظر إليها هؤلاء بإعجاب) (6-418)
وتتضح لغة الفن الجديدة والتي تتصف بالمزج بين اساليب سابقة بالهجين فتجمع فى أشكالها بين التمثيلي والتجريدي كما فى" التعبيرية الجديدة New expressionism "فى ألمانيا و"ما بعد الطليعة Transavant-grade "فى إيطاليا, فلقد تم التوسع فى حدود اطار العمل الفنى الى ان اصبح بيئة معدة كما فى أعمال" جورج سيجال George Segal " يمكن للمشاهد أن يصبح جزء من العمل وذلك داخل الإطار الفراغي المعد كبيئات تنتمى لما عرف فيما بعد "الفن البيئي Environmental Art "مجهزة وتتضمن على نماذج لشخصيات حقيقية بالحجم الطبيعي ,صبها الفنان بالجص وابقى على لونها الأبيض فى اشارة حيادية تضفى عليها سمة الإنسانية بوجه عام,و قام بتوظيفها فى أماكن عرض تحيط بها الأشياء الحقيقية التى نستخدمها فى حياتنا اليومية , فتبدو فيها تلك الشخوص بحجمها الطبيعي تمثل موقف من الحياة , في مطعم أو بار أو حتى صالة عرض,ويصبح المشاهد اثناء تجوله داخل تلك البيئات المجهزة أحد العناصر الفاعلة و المشاركة فى الرؤية ويختفي معها الحدود الفاصلة بين الحياة و الفن.
ونظرا لانتشار استتخدام الفنانين أشياء ذات طبيعة قابلة للزاول عند تعرضها لعوامل جوية , واعتمادهم على الاداء ومايرتبط به من وقائع حركية وضوئية وصوتية فى اطار زمنى , فقد استعان بعض الفنانين بالوسائط التكنولوجية للتوثيق والنقل أو العرض مرة أخرى لتجاربهم الفنية كما تضمنت حلولا أخرى مختلفة ومتعددة مثل النصوص اللغوية والرسوم التوضيحية والخرائط, أو الصور الفوتوغرافية أو التسجيلات الصوتية والمرئية كلافلام , وسرعان ما تم التحول والانصهار التام فى تكنولوجيا الوسائط المتعددة وتحولت من وسيلة للتوثيق الى اداة وتقنية لممارسة مختلف العمليات الابداعية , واصبحت قاسما مشترك بين مختلف العديد من الاتجاهات الفنية المختلفة , من الفن المفاهيمى,والفن البيئى ,و فن الارض , و فن الحدث و الاداء , وفن التجهيز , و فن الفيديو والكمبيوتر .
علاقة الوسائط المتعددة بالفنون القابلة للزوال ذات الطبيعة المفاهيمية
وخلال الستينات والسبعينات واجه الفنانون تحديات كبيرة للوضع الراهن بتحريك نشاطهم الإبداعي خارج الحدود التقليدية لمجالات الفن من نحت وتصوير وحفر وغيرها وكذلك أماكن العرض والنتيجة كانت صعود" الفن المفاهيمي Conceptual art "(11) الذي كان تأثيره بالغ الأهمية لما تلاه من فنون فهو يرفع الفكرة (Idea ) على "الشكل Object "باعتبار عملية الفكر هي المضمون الصافي للفن, هكذا يصبح العمل الفني مكون أساسه الفكرة,فالتصميمات الأولية للعمل ترشد وتدفع بواسطة الفكرة, أما التقنيات والممارسات الإبداعية فهي شكل مادي لنتاج الفكرة.واعتمد فى اظهار الأفكارعلى النصوص اللغوية ,الخرائط,أفلام وأشياء أخرى بديهية.
وفى فنون الحدث و الأداء أصبح الفن خبرة وإنتاج جماعي بطريقة خارج نطاق الادراك العادى للمشاهد , وأختلفت الادوار التقليدية وتأكدت هويات وجوده بما يقدمه الفنانون من اكتشافات تعتمد على الحدث العابر الذي يجــرى في سياق لا يقبل العودة وكطريقة واحـد ة للإدراك والذي غالبا ما كان تركيبا فوضويا فى الحدث, و تفاعلي تعاوني بين المشاهدين والفنانين فى نشاط مصمم بتلقائية وبشكل غير مكتمل , وارتجالية منفذة بأمانة تامة.( لقد كانت فنون الحدث جزء من حركة فنية مشتركة مع فنون التجميع والبيئات، أراد من خلالها الفنان أن يتحدى الاتجاهات المحافظة ويتوافق مع العصر بتحدى أفكاره حول الفن .)(13) فاقام الفنانون مواقفهم الحدوثية فى بناء درامى لكن بدون تخطيط , وكلمات بدون حوار, وممثلون لكن لا أشخاص, وقبل كل شئ لا شئ منطقي أو مستمر (الحدث كان بالتأكيد "شيئ " في فترة . لقد كان إحساس كل شخص مفعم بالإثارة والحيوية ,وثورة أصيلة في تعريف الفن . غير أنهم لم يتركوا أشياء متحفية وفترة حياتهم كانت قصيرة ، و ربما لم يبدون أهمية في إرجاع النظرالى حقيقتهم . على أية حال؛ فى 1962 الظاهرة بالكامل قد نمت وروج لها كثيرا ، فيما عدا كابرو، الفنانون الرواد عادو الى التصوير والنحت أو الدخول الفيديو والفيلم.) (19-191) ويتمثل ذلك فى ما قدمه العديد من الفنانين من ممارسات فنية مختلفة ومتنوعة يصعب اعادتها مرة أخرى أو مشاهدتها الا من خلال بعض الصور الفوتغرافية أو التسجيلات الصوتية والحركية كالفيديو
أما فى عمل"آلان كابرو Allan Kaprow"(14) المسمى
( ياردYard)
فالفنان جمع عدد ضخم من الإطارات ، حيث يمكن للجمهور ان يتحرك بشكل نشيط حولها, أو فقط متابعة الأحداث بشكل سلبى , وفىهذا الصدد يقول" كابرو" (ان حركة الزوار ذاتها داخل البيئة , وتفاعلهم بعضهم مع البعض , يمهد لمزيد من التقاطع بين حضور المشاهد من ناحية , وبين ماتقدمه البيئة من ناحية أخرى)(5-45) , ان توزيع العناصر بطريقة لامركزية عند "كابرو" عبر حدود حياتية حقيقية فى أماكن و عناصر غير معدة سلفا , بما فيهم حتى القصة ايضا, لايجاد علاقة متفاعلة مع عمله الفنى والأدراك عند جمهور المشاهدين , فلم يكن هناك خط محدد لتكنولوجيا الوسائط التى تتفاعل و تتشابك فى توسيع حدود الفضاء و الوقت , بل اسهام المشاهد هوأهم أحد العناصر الأساسية فى بناء العمل الفنى .
إن منهج "كابرو" يساهم في تعميق الإحساس بغياب أي ترابط بين مجموعة الأنشطة الأدآئية سواء على المستوى المادي أو المعنوي, كما يمنع وجود بؤرة تركيز للجماعة تساهم في خلق تجربة جماعية ويتحول جمهور المشاهدين على الفور إلى مشاركين في العمل, وعلى ذلك فأعماله لا يمكن إدراكها بسهولة نظرا لمقاومته أي إحساس بوجود كل متكامل فتبدو قلقة وملتبسة. فمادة الحياة اليومية عندما تعاد أداء أنشطتها داخل العرض تولد نوعا غريبا من الوعي وتصبح حدود العمل بل و إمكانية وضع حدود لعناصره موضع تساؤل وتشكك.
لقد اشتهرت " مارينا ابوموفيتش Marina Abramovi"(15) فى السبعينات بأدائها المتميز مع الممثل" او لايسى Uwe Laysiepen " والتى تضمنت اشكالأ متعددة من السلوك والعداء ,كاختبارات لقدرة تحمل الجسد للألم. فيما نشاهده فى العمل المسمى )الضوء والظلام عام1977 (والذى يقوم كل منهم بالجلوس فى مواجة الأخر والوجوه مضاءة بقوة ,والخلفية مظلمة تماما ويضرب كل منهما الآخر بشكل متعاقب على الوجه حتى يتوقف أحدهم.
وهو مايفسر اندماج الوسائط المتعددة فى اشكال الفن القابلة للزوال والانتهاء بعد العرض .واضفاء قيم مناهضة لقيمة "التكامل " التى كانت تميز فنون "الحداثة "وتتصف بها الاعمال الفنية من صعوبة اضافة اوحذف جزء منها , بل أصبح معها العمل الفنى غير محدد ببديات أو نهايات بل متعدد فى صورة ةلانهائية من التفاعلات متعددة المسارات, والتى توفر للمتلقى مداخل عديدة لاعادة البناء والتركيب للسرد والحوار .
فىبداية السبعينات مع ظهور " فن البيئة Environmental Art " (12) "وفن الأرض Earth Art "أو" فن التربة Land Art " أعطى الفنانون اهتمامهم الأساسي بالبيئة,كاحياء للوعى الثقافى البيئى سواء الحيوانى منه او النباتى ايضا و عملا على توسيع نطاق الحدود بحيث يصبح للبيئة حضور مادي أساسي, بل تشكل هي مفردات العمل ذاته وليست مجرد سياق يتضمن العمل الفني ,لقد استعار تفاعل البيئة وعناصرها ,واختار الفنانين المساحات المعزولة( لقد أراد الفنان فى مذهب "فن الأرض" ان يعيد من جديد الوحدة الضائعة بين الطبيعة و الفكر وبين الكون والعقل . وهكذا انتقل الفن من مفهوم الثوابت الى المتغيرات , وانتقل المشاهد من حالة الانفعال والتلقى الى وضع المشاركة والفعل ,وتغيرت مواد الفن من الألوان وادوات الرسم الى الأشياء ذاتها)(4-170)
واستخدموا أيضا عناصر مساعدة مثل دفع المياه وأثر الشمس على الأشكال وكذلك المطر والبرق وأيضا المواد البكر مثــل الرمل والطين وغيرها من المواد الغير مصنعة , أصبحوا الفنانين يواجهون مشكلة عرض هذه الأعمال على الجمهور , وما الشكل الذي يجب أن تأخذه هذه الأعمال الفنية،التى تزول بسرعة عند تعرضها للعوامل الجويةالمختلفة, وقد أكتشف بعض الفنانين حلولا مختلفة ومتعددة مثل الرسوم التخطيطية أو الصور الفوتوغرافية, التسجيلات السمعية والمرئية والأفلام والنصوص المكتوبة حتى أوصاف للعمل الفني ذاته .
اما "مايكل هيزرMichael Heizer "(12) وجد فى المناطق البعيدة او الصحراوية مناطق مناسبة للعثور على مناظر مثالية ,كما عرض أعماله التى كانت تتصف بالطابع المؤقت والتى يصعب الوصول إليها,وتم عرضها برؤية تصف هذه الأعمال بصورة جزئية على شكل صور فوتوغرافية بمساحة اللوحات الجدارية.(هكذا تم استبعاد مفهوم "المادة الفنية" أو "الشيىء الفنى" لصالح "الفكرة الفنية")(1-178)وكمحاولة لاعادة تقيم وتعريف المواد والاساليب الفنية المألوفة وفقا لماتطرحه هذه المواد ذاتها من نظم وعلاقات ذات طاقات فنية وجمالية , وليس كما هو متعارف عليها مسبقا .
(ان بوسع الفن, فى مفهوم "مابعد الحداثة", ان يصبح مجالا للتامل العقلانى النقدى , ومضوعا للتساؤل حول الفن ووظيفته , فرأينا أعمالا هى مجرد أفكار يعبر عنها مباشرة فى صور فوتغرافية ,وأوراق مطبوعة على الآلة الكاتبة.) (3-257) لقد اختار الفنان مادة أعماله من واقع التجربة المباشرة للحياة اليومية , واستخدم فى التعبير عنها كافة الوسائل المستحدثة , من طاقات مكانيكية أو مغناطيسية أو كهربائية أو الكترونية, أندمجت فيها كل خصائص الطبيعة مع التكنولوجيا.( لتقدم تهجينا واعيا لجمليات الماضى والحاضر من رؤية غاية فى المعاصرة , رؤية تنتفع من أخطاء الماضى فى لب تجريبها الداعى للنقاء . من هذا المنطلق لاتبدو هذه الاعمال التركيبية أو الجدلية أمثلة على التلوث بالماضى أو على الفوضى ولكن على الاندماج الواعى ىبين الماضى والحاضر فى عوالم ابداعية ,جديدة فى تحولاتها وتغيرها. ) (2-98) هذا ما يوضح القيم التى تبناه فنانى مابعد الحداثة فى عصر المعلومات من مزج بين أنساق الفنون المختلفة فى التراث الفنى عبر الحضارات والثقافات المتعددة.
اندماج الوسائط المتعددة فى فنون التجهيز و الفيديو والكمبيوتر
كما تبنى الفنانين فى "فنون التجهيزات Installation Art "(17) إنشاء العمل الفنى حول موقع محدد أو موقف نقدي , بدلا من أن تجعل العناصر والأشياء مستقلة, وعلى ذلك فالشكل الفنى ليس له حدود مؤكدة, لكن بيئته تختلف حسب الموقع المحدد له, والتى غالبا ما ترتبط بالعوامل الفيزيائية أو التاريخية أو المساحة المحيطة بالشكل. بل ويرفض التركيز على أحد الأشياء كموضوع مستقل في سبيل التفكير في العلاقات القائمة بين عدد من العناصر أو التفاعلات بين الأشياء وسياقها العام ,وبذلك ( يمد فن التجهيز الفنان بالفرص النادرة للجمع المتنوع بين الأوساط المختلفة, من "تصوير – نحت – أداء" والتي تعطى ثراء في المعنى,أو توضيح مفهوم, والجمهور يدخل في تفاعل مع حدود العمل وأحيانا بغير ما قد بدأه الفنان في قاعة العرض )(20-184)
كما فى تجهيز " باربرا روجر Barbara Kruger " (14)
التى انتجت منه ثلاثة تجهيزات واسعة النطاق بين عام 1989و 1991. وفى هذه الاعمال نقلت الفنانه الكلمات والصور بشكل مباشر إلى سطوح المعرض.حتى أصبح كل التجهيز ظهر كنص مكتوب بالأبيض على أرضية حمراء, ن كل الجوانب، اليسار واليمين. وعند قراءة النص، رسالات أخرى تستدعى بشكل لاشعوري ,ويعاون النص إحساس المشاهد بحقيقة العالم. فالتجهيز بالكامل يصبح له صوت ، والجدران يمكن أن سمعه، والهندسة المعمارية و الطّرق أيضا تتكلّم .
اما الفنانة آن "هاملتون Ann Hamilton"(16) دائما ما تقدم من خلال أعمالها خبرة جسمانية قوية بالوسائط المتعددة من صور فوتوغرافية ، أوفيديو , أو تجهبز ، حتى النصوص دائما ماتكشف عن ما هو شّخصي أو ذاتى . وتركز فى تصميمها للعمل على أن يكون اهتمام المشاهدين منصب على الخبرة الفيزيائية للقطعة ، فى حالة مشاركة فعالة , وتوضح ذلك (أترك العمل يتخلل جسمك بدلا من من عيونك. لكي تسمح لنفسك أن تجرّب شيء ما أمامك قبل أن تحاول تسميته) (19-464)
كان من الرواد الاوائل فى استخدامها الفنان" نام جان بايك Nam June Paik "(9)الذى انتقل إلى نيويورك من 1964 واستمر فىإستكشافاته للتلفزيون والفيديو،باعمال تجمع بين النحت الحى , و فن الفيديو , وكان لاشتراك العديد من الفنانين أمثال جوزيف بويز Joseph Beuys و" كاج Cage" و"ديفيد باوى Davi Bowie " وغيرهم فى اعداد تجهيزات غيرت فى نطاق حدود فن الفيديو بشكل أساسى و التى اخذت اشكال فنية مختلفة مثل " الفديوابجكت Video Objects”و"نحت الفديوVideo Sculptures”و" فديو التجهيزات Video Instsllstions”
ففى أعمال" نيومانNAUMAN" (8) تمكن من خلق إحساس المشاهد العميق بعدم الارتياح فى العمل الفنى "شريط حى لممر الفيديو " حيث يشعر بأنه منضغط فى ممر ضيق، ويسير المشاهد فى هذا الممر ويقترب من صورته المعروضة فى واحدة من شاشتين واحدة فوق الأخرى. ويفاجأ المشاهد بصورته وهى تكبر أو تصغر وذلك بدلا من موجهتها كما هي.
ان التطورات التكنولوجية ساهمت بشكل فعال فى الصياغات الفنية وتداخلها وتراكبها بل وصهرها جميعا بصورة يصعب معها الحديث عن نوع من الفنون بمعزل عن الآخر,ولكن كعمليات مفاهيمية تتميز بعبور مستمر لجميع أنواع الحدود الثقافية والفنية .
تجهيز كمبيوتر جرافيك أعده الفنان" جفرى شاو Jeffrey Shaw "(10) بالتعاون مع "دارك جروكنفلد Dirk Groeneveld " تحت اسم "المدينة الواضحة 1999" يستطيع المشاهد فيه أن يركب دراجة ثابتة , واعطاء أمر بالقيام برحلة داخل تجهيز متخيل لواقع مدينة مكونة بالكمبيوتر جرافيك ثلاثى الأبعاد , يتجول المشاهد داخل النص المكون من الكلمات والجمل على طول جوانب الشوارع . مستخدما تصيمات أساسية لمدن حقيقية، كمنهاتن ,وأمستردام ,والهندسة المعمارية الموجودة لهذه المدن تستبدل بالتشكيلات النّصّية , التى أعدها " دارك جروكنفلد ". والرحلة خلال هذه المدن المشكلة من كلمات تعد رحلة قراءة, إختيار أحد الطرق يكون إختيار للنص و تسلسله, وأيضاارتباطاتهم بالمعنى.عجلة القيادة والدواسات الخاصة بالدراجة تعطي فاعلية للمشاهد بامكانية السيطرة على الجهة والسرعة للرحلة . ويتصل مكبر فيديو بالكمبيوتر لتحويل الصورة إلى شاشة كبيرة امام المشاهد. وهناك شاشة صغيرة أخرى أمام الدراجة بها تخطيط مبسط لكل مدينة ،ومؤشر يوضح موضع راكب الدراجة.أما الجهد الفيزيائي لركوب الدراجة في العالم الحقيقي ينتقل بشكل بسيط في البيئة المشابه بالواقع . (يتطلّب الدخول فى "المدينة الواضحة" نشاط جسماني للوصول الى الفضاء نفسه. وما إذن يظهر في ذلك الفضاء يعتمد بالكامل على القرارات الفرديه للمستخدمين ,يستطيع السير بسرعة أو ببطئ , جه اليمين أو اليسار أو التوقف, ليس هناك حدث درامى ,مرتبط ببداية أو نهاية.)(23-616)
تجهيزات الفيديو والكمبيوتر يستخدم فيها الفنان العديد من التقنيات والوسائل والأدوات فى حالة انصهار كامل تستمد فيه الصورة قوة حضورها من العلامات اوالاشارات التى يمكن استقبالها وتحويلها لنظام رقمى يمكن التحكم فية بالكمبيوتر .فمادة الفيديو المكونة من شحنات كهرومغناطسية غير مرئية على شريط مغناطيسى , تسمح نظمها المتحكمة بالكمبيوتر باعطاء تاثيرات غير طبيعية فى عمليات التوليف او المونتاج الالكترونى , وذلك بعد تحويل مختلف الانساق الرمزية من صور واشكال ثابته ومتحركة,واصوات وانغام ونصوص,الى مقابل رقمي Digital قوامه الصفر والواحد فيتم مسح الصور والاشكال الكترونيا لتتحول الى نقاط متراصة ومتناهية فى الصغر ,يمكن تمثيلها رقميا سواء بالنسبة الى موضعها او لونها ودرجته من حيث الكنه او الشدة او النصوع ,وكذا يتحول ايضا الصوت بعمليات اكثر تعقيدا ,نظرا لطبيعة الموجات الصوتية ودرجة حساسية الطيف الموجى الحامل للاشارة الصوتية الى وحدات تمثل تلك الاشارات على فترات زمنية قصيرة تكون بمثابة رقم كودى لكمية السعة الموجية المرتبطة بالزمن ودرجة النقاء, اما الكلمات فيتم تحويل حروفها الى اكواد تناظرها رقميا .
ان قدرة البرامج المستخدمة فى الكمبيوتر تقدم العديد من الحلول المتغيرة للمشهد الواحد فى صورتة المكونة على الشاشة , ومثيرة للحس البصرى والجمالى . وفوق ذلك يمكن التعامل معها بنوعيات مختلفة من البرامج لاعطاء عنصر الحركة أو التكبير والتصغير وما الى ذلك من عمليات تجريبية تمتاز بالدقة والسرعة فى آن واحد , ويسمح بتخزينها فى أشكال متنوعة يتم استرجاعه وتداولها بسهولة وسرعة لاتفقد معها اى خاصية تم تثبيتها من قبل.
تغيرالمفهوم الجمالى فى فنون ما بعد الحداثة
وبعد الاستعراض السابق لدور الوسائط المتعددة نجد انها أحد آليات إنتاج الفن ,بل و قاسم مشترك فى معظم فنون ما بعد الحداثة التى ميزت عصر المعلومات( لقد أراد الفنان فى عصر مابعد الحداثة أن يعيد الفن الى طبيعته التاريخية, وأن يتحرر من النظرة الواحدية الجانب , وأن ينوع الرؤية الى مستوى التعددية Plurality والتحول من عالم النخبة والتوفقية الى عالم ديمقراطية التذوق الذى يقف فى مقابل قطيعة الحداثة مع الجمهور.)(4-103) ومع تطور اندماج تكنولوجيا المعلومات من تلفزيون وكمبيوتر و انترنيت اتتيح امام الفنانين فرصا عديدة لممارسة النشاط الابداعى و تغير شكل الفن ومفاهيمه. وباستعراض التطور التاريخى لبعض نماذج من الإبداعات الفنية يتكشف لنا :
ماقدمته الوسائط المتعددة من امكانيات مختلفة للتجريب واعادة المحاولة , والقدرة على المزج بين مختلف مجالات الفن ,بداية من فنون Pop كان الاحتفاء بالشيئ الجاهز المستمد من الحياة اليومية كمادة ووسيلة غير تقليدية في التعبير والبحث عن جمالية تميز أعمالهم اعتمادا على مبادئ الصدفة. مقدمين حلولا فى الاتصال الإنساني المتفاعل بالطبيعة التي تفيض بالبيئات الصناعية, وانتقد هؤلاء الفنانين المنظور الحداثى, والنظرة المتسامية , بالمعايشة الحياتية والتجارية,فجمعت أعمالهم معانى متناقضة بين القديم و الحديث ,والصفوة و العامة , و الفردى والعام .( واذا كان "فن الدادا" الممثل الواضح لفنون الحداثة ينظر بغضب الى مظاهر المدنية المعاصرة له , نجد "فن البوب" الممثل الواضح لفنون "مابعد الحداثة" ينظر الى الثقافة المعاصرة, ذات الطبيعة التجارية دون اى عداء .)(4-109)
تداخلت الوسائط المتعددة مع الفنون التى تعتمد على الحدث العابر من خلال الحركة فى الزمن الذى يجــرى في سياق لا يقبل العودة , كفنون الحدث والاداء للتوثيق والتسجيل , وقد دعت فى مفهومها لانهاء المبدء الاستطيقى الذى يرتكز على استقلالية العمل الفنى و تفردة الذى يكسبه الندرة كغاية وقيمة فى ذات الوقت , بل وأصبح الفن معها جماعيا اختياريا ,يقوم على بنيات مفتوحة وغير محددة ببديات أو نهايات بل متعدد فى صورة لانهائية من التفاعلات ذات تركيبا فوضويا مشترك بين الفنانين والجمهور فى تفاعلهم داخل العمل لاعادة البناء والتركيب للسرد والحوار بتلقائية وبشكل غير مكتمل , متخذا الطابع الارتجالى.
أما الفنون التى تتميز بصفة الزوال عند تعرضها للعوامل الجويةالمختلفة ,واجه فيها الفنانين مشكلة عرض هذه الأعمال على الجمهور, وتوثيقها ,لذلك كانت الوسائط المتعددة بمثابة حلقة اتصال قدمت حلولا مختلفة مثل الصور الفوتوغرافية, و التسجيلات المرئية و السمعية فى الأفلام , لقد تضمنت تلك الاعمال محاولة اعادة تقيم وتعريف المواد والاساليب الفنية المألوفة بالتجربة المباشرة مع الطبيعة , واعادة الوحدة الضائعة بين الطبيعة و الانسان بعد انقطاعه عنها فى البيئة الصناعية ,واحياء الوعى الثقافى البيئى .
وكان من دوافع انتشار فن التجهيز بين الفنانين خلال الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين الميل نحو امتزاج الفن بالحياة, والارتياب العام من الانفصال بين الأشياء بعضها البعض, وسيادة الصفة التجارية على أعمال الفن و الدمج بين أنساق الفنون المختلفة فى التراث الفنى عبر الحضارات والثقافات المتعددة. أكد على عدم ادراك العمل الفنى تحت مسمى تصنيفى واضح وكذا عدم الالتزام بالحدود الفاصلة بين الفنون. واضفاء قيم مناهضة لقيمة "التكامل " التى كانت تميز فنون الحداثة وتتصف بها الاعمال الفنية من صعوبة اضافة اوحذف جزء منها , بل أصبح معها العمل الفنى متعددة المسارات, والتى توفر للمتلقى مداخل عديدة لتفسيرها.
الوسائط المتعددة أصبحت فىكثير من الأعمال عالم قائم بذاته أحياناً فى فنون الفيديو والكمبيوتر, ولاشك ان ذلك فتح امام الفنانين افاق جديدة للابداع بخلق فضاء وعوالم مليئة بالاحداث المتنوعة بين أدب و موسيقى وتشكيل فى واقع سمعى بصرى حركى عبر الزمن ,يساهم بقدر كبير فى تكامل الفنون وامتزاج المعارف والخبرات, وقد طرح كل ذلك أشكل مغايرة,ومفاهيم مختلفة يصعب تحديدها وفق معيار ثابت أو محدد كسابقتها من الفنون التقليدية, مما يطرح افاق اكثر رحابة فى ممارسة التنظير والنقد ومناهج مغايرة فى قراءة العمل الفنى . تقوم على مشاركة المتلقى فى العمل الفنى , فالإستخدام التكنولوجىفى تقديم أشكال الفن اسهم بشكل فعال فى القراءة المفتوحة للعمل الفنى مما ساعد على التشتيت الذى لا نهاية له وعدم وضوح بؤرة تركيز يستند اليها المشاهد وأدى ذلك الى تفكيك العناصر الفنية .
النتائج
توصل الباحث إلي :-
1- الميل نحو التعددية الثقافية و الثقافات العالمية المتنوعة
2- انهاء المبدء الاستطيقى الذى يرتكز على استقلالية العمل الفنى واسقاط الهالة المقدسة التى تحيط بالفنان ,والعمل الفنى وتفردة الذى يكسبه الندرة كغاية وقيمة فى ذات الوقت
3- أستبدال التجريد والاختزال االمستلهم من مثالية الآلة بالتشكيل التجميعى والتهكم الذى يصل الى حد السخرية فى بعض الاحيان .
4- الوسائط المتعددة اسهمت بشكل فعال فى التشتيت الذى لا نهاية له لعدم وضوح بؤرة تركيز يستند اليها المشاهد وأدى ذلك الى تفكيك العناصر الفنية
5- العمل الفن فىفنون مابعد الحداثة ضد قيمة "التكامل " التى كانت تميز فنون الحداثة مما يوفر للمتلقى مداخل عديدة للتفسبر.
6- تعتبر الوسائط المتعددة قاسم مشترك فى معظم فنون ما بعد الحداثة و أحد آليات إنتاج الفن فى عصر المعلومات .
7- تتميز الوسائط المتعددة بالقدرة على المزج بين مختلف مجالات الفن وقد طرح ذلك أشكل مغايرة,ومفاهيم مختلفة يصعب تحديدها وفق معيار ثابت أو محدد كسابقتها من الفنون التقليدية.
8- ارتبطت بمعظم الفنون التى تتميز بصفة الزوال كالفن الفقير وفنون الأرض والتجهيزات وكذلك بالمناهج المستخدمة فى فنون الحدث والأداء للتوثيق والتسجيل
9- تعد الوسائط المتعددة أحد اشكال الفنون المرئية التى تتجاوز بخصائصها عبر النوعية كل أشكال الفن التقليدى.
التوصيات
يوصى الباحث :-
1- طرح افاق اكثر رحابة فى ممارسة التنظير والنقد ومناهج مغايرة فى قراءة العمل الفنى تقوم على مشاركة المتلقى فى العمل الفنى.
2- تحليل العمل الفنى وسياقاته المتنوعة والمتعددة المداخل , دون التركيز علىبؤرة موحدة أوتحديدة فى مفهوم ثابت .
3- تحتاج لمزيد من الدراسات المعيارية لتوليد مصطلحات نقدية غير تقليدية يمكن من خلالها تقديرها وتقيمها.
4- إنشاء أقسام "للفنون البصرية" داخل كليات الفنون الجميلة – والتربية الفنية – والفنون التطبيقية .
5- أن تحتوى مقررات الأقسام المختلفة على تقنيات آلية التعامل مع الوسائط المتعددة من فيديو وكمبيوتر.
6- إقامة ورش عمل فنية تجريبية بصفة مستمرة بين التخصصات المختلفة فى الجامعة بين كلبات الفنون
7- دعوة فنانيين عالميين كأساتذة للتدريس فنون الفيديو والأداء,وفنون الكمبيوتر .
المراجع العربية
1. ادوارد لوسى سميث : الحركات الفنية منذ1945, المجلس الاعلى للثقافة ,1997.
2. نيكولاس رزبرج : توجهات مابعد الحداثة , المجلس الاعلى للثقافة ,2002.
3. محسن عطية : القيم الجمالية فى الفنون التشكيلية , دار الفكر العربى 2000.
4. محسن عطية : الفنان والجمهور,دار الفكر العربى, 2001.
5. نك كاى :مابعد الحداثة والفنون الادائية, الهيئة المصرية العامة للكتاب.
المراجع الأجنبية
6. -Duane and Sarah preble: Art forms , Harper&Row newyork,1985.
7. -http://tealacsuhayworld.edu/coppstreayinstallation.
8. -http://www. Media Art Net Overview of Media Art Perception.htm.
9.
http://www. Guggenheim Museum - Past Exhibitions - The Worlds of Nam June Paik.htm.
10. -http://www. jeffrey-shaw_net.htm.
11. -http://www.artandculture.com/arts/movement?movementId=1022.
12. -http://www.artandculture.com/arts/movement?movementId=1034.
13. -http://www.artandculture.com/arts/movement?movementId=1039.
14. -http://www.artmuseum.net/w2vr/timeline/Kaprow.html#
15. -http://www.eyestorm.com/feature/ED2n_article.asp?article_id=38&artist_id=108
16. -http://www.pbs.org/art21/artists/hamilton/card2.html
17. -http://www.pbs.org/art21/artists/kruger/card2.html
18.
http://www.pbs.org/art21/artists/kruger/index.html
19. -Jonathan Fineberg: Art Since 1940 strategies of being ,Laurence King,2000.
20. -Nicolas de Oliveira: Installation Art, America, by Smith Sonian Lntituation press,1994.
21. -Paul grawther: The ******** of twentieth century art conceptual history , University press,New haven and London, 1997 .
22. -Robert Goldwater and Marco Treves, eds: Artists on Art , Pantheon Book,New York,1972.
23. -Ruhrberg ,eds :ART of the 20th Century,TASCHEN,2000..
د\ عماد عبد النبي أبو زيد
مدرس بقسم النقد والتذوق الفنى
كلية التربية الفنية
جامعة حلوان
Bookmarks